عزيزتي بيروت، في هذه الأيام القليلة الماضية، كنت أستيقظ معتقدة أن ما يحدث كابوساً بشعاً لا أكثر. إستغرقني الأمر بضع ثوانٍ حتى أستوعبتُ حجم الكابوس المروّع الذي أُجبرنا على تقبّله في المنتصف من سنة 2020. أوّل شعور أنتابني كان كسرة في قلبي وفجوة فيه تجعلني أشهق وأزفر ألماً وحزناً. قيل لنا أننا حزنّا عليكِ يا بيروت قبلاً ولكن ليس بحجم مآسينا الآن. ثم دار بيني وبين نفسي: عليّ أن أكون ممتنّة أنني ما زلت أمتلك سريراً أستيقظ فيه وسقفاً فوق رأسي يأويني وأنّ قراراً في آخر دقيقة اتّخذته أنجاني وأنقذ حياتي. ولكن لا ... إنني مغمورة بإحساس ذنبٍ رهيب، والكل ينتابه هذا الشعور، إلّا من هم مذنبين حقاً. هم من يستطيعون النوم ليلاً وبكل راحة وسلام. حبيبتي بيروت، في عيد ميلادي، لا هديّة عندي أهديك إيّاها إلّا ما ستحملني يداي ورجلاي على فعله في هذه الأيام المقبلة جبناً إلى جنب مع جميع من يكون. سنعمل جاهداً ومن دون كلل في شوارعك وساحاتك، سنعمل عوضاً عن ما فشلت وتنحّت عن فعله حكوماتنا وسياسيونا. سنحكم ذاتياً وندعم المجتمع كما فعلنا في الثورة الأخيرة، حين حاولنا بلا حول ولا قوّة أن نحرّرك ونحرّر أنفسنا. في عيد ميلادي، لا يسعني إلا أن أقطع وعداً، أعدك لو سقطتِ مليون مرّة أخرى لن أزل حتى أجمع قطعك لو يقتلونكِ مليون مرة أخرى سأتحمّل آلام ولادتك من جديد لو دمّروكِ مليون مرة أخرى وأكثر... سأختارك دائماً، سأعيد بناءك، وأحبّك... اعتمدي علينا. دعينا نطهّر جروحك بدموعنا. إذا غادرنا فلن نغادر حقًا. إذا قلنا أننا نكرهك فإننا لا نعني ذلك. نحن ناقصون من دونك. فيروز كانت محقة عندما قالت أن العالم حقًا سيكون كذبة إذا تركتِنا. مات جزء فينا منذ يومين. ولا استثناءات، كانت صور الدماء والموت والدمار مروّعة في مدينتنا لدرجة لا تُحتمل حتى بالنسبة للأقوى والأكثر رقة وسخرية منّا. ولكننا ما زلنا هنا وسوف نعتني بكِ وستتحقق العدالة. اللعنة علينا إذا لم تتحقّق... . كتبتُ "لو إنّها تتكلّم بيروت" في عام 2012، بعد سلسلة لا نهاية لها من التفجيرات والهجمات الإرهابية التي ابتلينا بها معاً، نحن وأنت. لكنني لم أكن أتصوّر أن مثل هذا اليوم سيأتي. والآن الجميع يعلم أن البحر صديقك وأنّه يحبك حقًا، وإلا لكان الدمار أكبر بعشرة أضعاف. حبيبتي، لست بحاجة أن تتكلّمي بعد الآن ٠٦/٠٨/٢٠٢٠